montazar.net
montazar.net
montazar.net
montazar.net
montazar.net

إنّ مَن سَبر كتب الوهابية وعاش بين ظهرانيهم رأى بأنّ الاتّهام بالشرك أكثر شيء تردّده كتبهم وألسنتهم ومحافلهم، فلا يميل المرء يميناً أو شمالاً إلاّ ويسمع أنّهم يصفونه فوراً بأنّه مشرك وأنّ عمله بدعة وأنّه بذلك مبتدع، بحيث إذا كان المقياسُ هو ما ذكروه أو يذكرونه في كتبهم ومحافلهم لما استطاع الاِنسان أن يسجّل كثيراً من المسلمين في ديوان الموحّدين. ترى ما هذا الضيق الذي أوجَده الوهابيون في دائرة الاَُمة الاِسلامية وهل هذا بدافع تحرّي الحقيقة، وتمييز الموحّد عن المشرك، أو أنّ هناك أُموراً سياسية وأحداثا تخلقها يد الاستعمار بهدف إيجاد التفرقة بين المسلمين، وتمزيق صفوفهم، وتفكيك العرى بينهم، ليتسنّى له الوصول إلى مآربه ومطامعه؟
المرونة في قبول الاِسلام:
إنّ من يلاحظ عصر الرسول صلّى الله عليه و آله و سلّم وما تلاه من عصور التحوّل العقائدي والفكري يجد إقبال الاَُمم المختلفة ذات التقاليد والعادات المتنوعة على الاِسلام وكثرة دخولهم واعتناقهم هذا الدين، ويجد أنّ النبي و المسلمين كانوا يقبلون إسلامهم، ويكتفون منهم بذكر الشهادتين دون أن يعمدوا إلى تذويب ماكانوا عليه من عادات اجتماعية، وصوغهم في قوالب جديدة تختلف عن القوالب والعادات والتقاليد السابقة تماماً. وقد كان احترام العظماء ـ أحياءً وأمواتاً ـ وإحياء ذكرياتهم والحضور عند القبور، وإظهار العلاقة والتعلّق بها من الاَُمور الرائجة بينهم. واليوم نجد الشعوب المختلفة ـ الشرقية والغربية ـ تعظّم وتخلّد ذكريات عظمائها، وتزور قبور أبنائها، وتتردد على مدافنهم، وتسكب في عزائهم الدموع والعبرات ... وتعتبر كل هذا الصنيع نوعاً من الاحترام النابع من العاطفة والمشاعر الداخلية الغريزية. وصفوة القول أنّنا لانجد مورداً عمد فيه النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم إلى قبول إسلام الوافدين والداخلين فيه بعد أن يشرط عليهم أن ينبذوا تقاليدهم الاجتماعية هذه... وبعد أن يفحص عقائدهم، بل نجده صلّى الله عليه و آله و سلّم يكتفي من المعتنقين الجدد للاِسلام بذكر الشهادتين ورفض الاَوثان. وإذا كانت هذه العادات والتقاليد شركاً لزم أن لايقبل النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم إسلام تلك الجماعات والاَفراد إلاّ بعد أن يأخذ منهم الاعتراف بنبذ تلكم التقاليد والمراسم. والحاصل أنّ ترك التوسّل بالاَولياء والتبرّك بآثارهم وزيارة قبورهم لو كان شرطاً لتحقّق الاِيمان المقابل للشرك والصائن للدم والمال لوجب على نبيّ الاِسلام اشتراط ذلك كلّه ( أي ترك هذه الاَُمور) عند وفود القبائل على الاِسلام ، وللزم التصريح به على صهوات المنابر وعلى روَوس الاَشهاد مرة بعد أُخرى. ولو صرّح بذلك لما خفي على المسلمين، إذن فكل ذلك يدل على عدم اشتراط ترك هذهالاَُمور وليس ذلك إلاّ لاَنّ تركها ليس شرطاً لتحقّق الاِيمان ورفض الشرك ولعدم كون الآتي بها مجانباً للاِيمان ومعتنقاً للشرك.
الوهابية ورواية ابن الهيّاج:
فقد استدل الوهابيون بقوله صلّى الله عليه و آله و سلّم : «ولاقبراً مشرفاً إلاّ سوَّيته» على لزوم هدم القبور وتسويتها بالاَرض. بيد أنّ الاستدلال بالحديث المذكور يتوقف على أمرين:
1 . أن يكون السند صحيحاً ورواته موثوق بهم.
2 . دلالة الحديث على المراد.
أمّا السند ففيه أشخاص لايصح الاحتجاج بأحاديثهم وهم عبارة عن: وكيع، سفيان الثوري،حبيب بن أبي ثابت، الوائل الاَسدي.أما وكيع فقد قال الاِمام أحمد بن حنبل عنه أنّه "أخطأ في خمسمائة حديث" كما نقل عن محمد بن المروزي أنّه (أي وكيع) كان يحدّث بالمعنى ولم يكن من أهل اللسان أي لم يرو الاَحاديث بنصوصها وألفاظها كما أنّه لم يكن عارفاً باللغة العربية. وأمّا سفيان الثوري فقد نقل عن ابن مبارك أنّه قال: حدّث سفيانُ بحديث فجئته وهو يدلّسه فلمّا رآني استحيى وقد نقل في ترجمة يحيى بن القطان عنه أنّه قال كان سفيان يحاول أن يوثق ليشخصاً غير ثقة فلم يستطع وأمّا حبيب بن أبي ثابت فقد نقل عن أبي حبان أنّه: كان مدلساً كما نقل عن عطا أنّه قال عنه: لايتابع عليه وليست محفوظة وأما وائل فيقال عنه أنّه كان مبغضاً لعلي ـ عليه السلام ـ .هذا حال السند.وأمّا دلالة الحديث فلا بدّ من الدقة في اللفظتين الواردتين فيه وهما «مشرفاً» و «سوَّيته».أمّا المشرف فالمراد منه هو المكان العالي المطلّ على غيره وقد جاء في القاموس: الشرف ـ محرّكةً ـ : العلوّ، ومن البعير سنامه وأمّا التسوية فيراد منها تسوية المعوج يقال سوّى الشيء: جعله سوياً، ويقال: سويت المعوج فما استوى: صنعه مستوياً وجاء في القرآن الكريم):الّذي خَلَقَ فَسَوّى) (الاَعلى 2) وعلى ذلك فمن القريب أن يكون معنى سوّيته تسوية القبر بتسطيح سنامها لا هدم القبر من أساسه. وهذا هو مذهب جماعة منهم الشافعي؛ حيث جاء في كتاب الفقه على المذاهب الاَربعة: «ويندب ارتفاع التراب فوق القبر بقدر شبر» وجاء أيضاً: ويجعل كسنام البعير ،وقال الشافعي: جعل التراب مستوياً أفضل من تسنيمه.فهذا الحديث يوَيد مذهب الشافعي وعليه الشيعة الاِمامية أيضاً.ومن الجدير بالانتباه أنّ مسلم صاحب الصحيح أورد هذا الحديث تحت عنوان "باب الاَمر بتسوية القبر» لا تحت عنوان «الاَمر بتخريب القبور وهدمها" ويوَيد ذلك أنّ مسلم نقل في صحيحه مايوَيد ما استظهرناه من الحديث المذكور من المعنى. قال ـ بعـد ذكر جملة من الرواة ـ :قال ثمامة بن شُفيَّ: كنّا مع فضالة بن عبيد بأرض الروم برودِسَ فتوفي صاحب لنا فأمر فضالة بن عبيد بقبره فسويّ ثم قال: سمعت رسول اللّه يأمر بتسويتها. ولاشك أنّ المراد من التسوية ليس جعلها والاَرض سواء، لاَنّ ذلك خلاف السنّة القطعية التي تقضي بأن يرتفع القبر عن الاَرض بشبر واحد، فيكون المراد أن يسطح سنامها، ولهذا جاء في عبارة النووي عند تفسير الحديث المذكور في صحيح مسلم "ولايُسَنَّم بل يُرفَع نحو شبر ويسطَّح" ولم ننفرد نحن بهذا التفسير للحديث بل ذهب إليه ابن حجر القسطلاني في كتابه «إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري" إذ قال ـ بعد أن ذكر أنّ السنّة هي تسطيح القبر وأنّه لاينبغي ترك التسطيح مخالفة للشيعة : "لاَنّه لم يُرِدْ تسويتَهبالاَرض وإنّما أراد تسطيحه جمعاً بين الاَخبا". وأخيراً لم يرد في حديثه صلّى الله عليه و آله و سلّم بل قال: «ولاقبراً إلاّ سويته ولا بناءً مبنياً على القبر ولاقبّة إلاّ سويتها»، فإذن المراد ليس إلاّ ماذكرناه من عدم جعل نفس القبر مسنّماً، وأمّا البناء فوق القبر فليس بمقصود وليس هناك مايدل من الحديث على عدم جواز البناء على القبور، بل السيرة العملية للمسلمين على خلافه كما عرفت. وحتى لو فرضنا أنّ المراد من التسوية هو تخريب القباب والاَبنية المقامة على القبور، فمن المحتمل جدّاً أن يكون المراد هو قبور المشركين المقدّسين ـ آنذاك ـ من قبل الوثنيين وأهل الشرك، إذ كانت تلك القبور بعد ظهور الاِسلام متروكة على حالها، ويوَيد هذا أنّ النبي صلّى الله عليه و آله و سلّم بعث عليّاً ـ عليه السلام ـ لمحو الصور وهدم التماثيل الموجودة في أطراف المدينة أو غيرها، وليست هذه التماثيل والصور، إلاّ الاَصنام والاَوثان التي كانت تعبد حتى بعد ظهور الاِسلام{1}.
{1} التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني 205-206.
الوهابیون ومسألة التوحید


العضوية للحصول علی البرید الالکتروني
الاسم:
البرید الالکتروني:
montazar.net

التصویت
ما ترید أن یتم البحث عنه أکثر فی الموقع؟
معارف المهدويةالغرب و المهدوية
وظیفتنا فی عصر الغیبۀالفن و الثقافۀ المهدوية
montazar.net

المواقع التابعة