مراتب التوحيد
لقد لخّص المحقّقون الإسلاميون البحوث المرتبطة بالتوحيد في أربعة أقسام نذكرها فيما يأتي باختصار :
1. التوحيد في الذات
والمقصود به أنّ الله واحد أحد لا شريك له ولا نظير ولا يتصور له شبيه ولا مثيل بل انّ ذاته المقدّسة بسيطة غير مركبة ، من أجزاء كما هو شأن الأجسام.
2. التوحيد في الصفات
ويراد منه أنّ الله تعالى وإن كان متّصفاً بصفات عديدة كالعلم والقدرة والحياة ، إلاّ أنّ هذا التعدّد إنّما هو باعتبار المفهوم الذهني وليس باعتبار الوجود والواقع الخارجي ، بمعنى أنّ كل واحدة من هذه الصفات هي «عین» الأُخرى وليست « غير » الأُخرى ، وهي أجمع « عين » الذات وليست غير " الذات". فعلم الله ـ مثلاً ـ هو « عين » ذاته ، فذاته كلّها علم ، في حين تكون ذاته كلها «عين » القدرة ، لا أن حقيقة العلم في الذات الإلهية شيء ، وحقيقة القدرة شيء آخر ، بل كل واحدة منهما « عين » الأُخرى ، وكلتاهما « عين » الذات المقدسة.
3. التوحيد في الأفعال
نحن نعلم أنّ هناك في عالم الطبيعة سلسلة من العلل والأسباب الطبيعية لها آثار خاصة كالشمس والإشراق الذي هو أثرها ومعلولها ، والنار والإحراق الذي هو أثرها ومعلولها ، والسيف والقطع الذي هو أثره ومعلوله. والتوحيد الافعالي هو أن نعتقد بأنّ هذه « الآثار » مخلوقة هي أيضاً لله تعالى كما أنّ عللها مخلوقة له سبحانه. بمعنى أنّ الله الذي خلق العلل المذكورة هو الذي منحها تلك " الآثار". فخلق الشمس وأعطاها خاصية الإشراق، وخلق النار وأعطاها خاصية الإحراق، وخلق السيف وأعطاه خاصية القطع، إلى آخر ما هنالك من العلل والمعلولات، والأسباب والمسببات والمؤثرات وآثارها وبعبارة أُخرى : انّ التوحيد الافعالي هو أن نعترف بأنّ العالم بما فيه من العلل والمعاليل، والأسباب والمسببات، ما هو إلاّ فعل الله سبحانه، وأنّ الآثار صادرة عن مؤثراتها بإرادته ومشيئته. فكما أنّ الموجودات غير مستقلة في ذواتها بل هي قائمة به سبحانه، فكذا هي غير مستقلة في تأثيرها وعلّيَّتها وسببيَّتها. فيستنتج من ذلك أنّ الله سبحانه كما لا شريك له في ذاته، كذلك لا شريك له في فاعليته وسببيته، وأنّ كل سبب وفاعل ـ بذاتهما وحقيقتهما وبتأثيرهما وفاعليتهما ـ قائم به سبحانه وأنّه لا حول ولا قوة إلاّ به. ويندرج في ذلك « الإنسان » ، فبما أنّه موجود من موجودات العالم وواحد من أجزائه فإنّ له فاعلية ، وعليه بالنسبة لأفعاله ، كما أنّ له حرية تامّة في مصيره وعاقبة حياته ، ولكنَّه ليس موجوداً مفوّضاً{1} إليه ذلك، بل هو بحول الله وقوته يقوم ويقعد ويتسبب ويؤثر. إنّ التوحيد الافعالي لايعني إنكار العلل الطبيعية أو إنكار مشاركتها في التأثير وفي حدوث معلولاتها ، بل يعني مع الاعتراف بأنّ للعلل تمام المشاركة في ظهور الآثار، وأنّ هذه الآثار هي من خواص هذه العلل{2}.
{1} المراد من التفويض هو أنّ الله أعطاه الفاعلية ثم هو يفعل ما يريد دون مشيئة الله وعلى نحو الاستقلال.
{2} مفاهيم القرآن، الشيخ جعفر السبحاني، ج1: 13-14-15