مجابهة الاسلام و الغرب
یری المدافعون عن فکرة صراع الحضارات، ان الإسلام هو الخطر الوحید الذی یهدد الغرب فلنقرأ کلماتهم: یصف هنتیغتون المسلمین هکذا مهاجمین: ان سبب غزو المسلمین الغرب هو انهم یعتقدون أن الغربین اساساً لا یؤمنون بدین...
و هو یقول فی النهایة:
إن الاصولیة الاسلامیة لیست المعضلة الاساس للغرب، بل الاسلام نفسه؛ الحضارة المغایرة التی یؤمن المنتمون الیها ایماناً وثیقاً بأفضلیة ثقافتهم و هم منشغلون بعجرهم. ان الـ سی ای ایه او البنتاغون لیستا المشکلة للعالم الاسلامی بل الغرب نفسه؛ الحضارة المغایرة التی یثق المنتمون الیها بعالمیة ثقافتهم، و یعتقدون بان قدراتهم رغم اتجاهها صوب الافول، جعل علی عاتقهم الالتزام بنشر الثقافة الغربیة فی جمیع انحاء العالم. یقول برنارد لوییس المنظر الاخر لنظریة صراع الحضارات: من الفترة الممتدة ابتداءاً من تقدم الجیش الاسلامی صوب الاراضی المسیحیة فی شرق منطقة الشرق الاوسط فی اوائل القرن السابع عشر [الصحیح هو القرن السابع] و حتی ثانی و آخر انسحاب للقوات الترکیة من اسوار مدینة فینا فی عام 1683، عاش المسیحیون فی خوف دائم من خطر الاسلام الداهم و استغرق ذلک قریبا من الف سنة. و کان الخطر الاسلامی الذی یهدد اروبا لمدة الف سنة علی نمطین: الخطر العسکری من جهة و اخطر الدینی من جهة اخری، ای خطر فتح المساحات الارضیة و خطر اعتناق الدین الاسلامی. لقد بدأت السیدة هانتر کتابها باستعراض خطر الإسلام علی الغرب و تعترف بان الشیعة لا یجوزون ذلک فی عصر الغیبة، فتبطل الدعوی مبدئیاً. و دلیله لا یصمد حجة، لان عزوف الغرب عن الله یرجع الی دین محرف و غیر قابل للتطبیق، و قد تم تهمیش هذا الدین نفسه. إن رؤیة الإسلام إلی الشیوعیة و الغرب لیست سواءاً؛ فالاول ملحد لمادیته و اما الثانی فلشرکه و تحریفه الدینی و الاستهانه به و التحلل الاعتقادی. لکن نقد المسلمین الغربَ فبسبب انهم لا یلتزمون حتی بالمسیحیة المحرفة و هی مهمشة فی مجتمعهم، اذاً لامکان للغزو المادی. فان الدین الاسلامی قد اظهر للجمیع انه بضوابطه العادلة و الانسانیة فی الجهاد و التی وردت تفاصیلها فی باب الجهاد من الفقه الاسلامی، قد اوضح انه لاصلة له باسلحة الدمار الشامل اللا انسانیة و لا یدعم الارهاب.
ان دعوی هنتیغتون مرفوضة اذ یقول بأن الثقافة الغربیة ثقافة عالمیة و أن العولمة یحب ان تکتسح العالم، و ذلک لان هذا التوجه یناقض العالم متعدد الاقطاب کما یراه هو، اضافة إلی ان الاوضاع العالمیة بعد انهیار الشیوعیة و ظهور التعددیة القطبیة لا تتحمّل الرأی الواحد و لا یمکن للعولمة ان تتحقق فی شکل فرض ثقافة الغرب علی الاخرین. إن قیم الغرب العلیلة التی کانت وارء افول الغرب و انحطاطه ـ کما یعترف بذلک هنتیغتون ـ لا یمکن لها ان تشمل العالم. و فی المقابل فان قیم الإسلام الانسانیة التی سیکون احیاؤها و تنفیذها هدفاً لرسالة الإمام الحجة، هی القابلة للتطبیق و الشمولیة العالمیة لتوافقها مع الفطرة الانسانیة و العقل.
إن رؤیة لوییس فیما یتعلق «بالف سنة من الخطر الاسلامی علی الغرب» ـ بغض النظر عن مخالفتها للحقائق حیث یقول: إن التسامح الاسلامی بصورته التامة و الکاملة کان مشهوداً فی تلک البرهة الممتدة لالف سنة. اذاً فاحد هذین التصریحین لا یکون صحیحاً؛ الف سنة من الخطر المستمر او التسامح فی اعلی مستویاته. خلافاً لما یعتقد لوییس فان هاجس اعتناق الدین الاسلامی من قبل الغربیین لا یعد خطراً. ان حریة اختیار الدین تعد حقاً من حقوق الانسان و تأتی مسایرة مع الدیموقراطیة و قد اعترف بهذا الحق المیثاق العالمی لحقوق الانسان. لذا فان الدخول فی الإسلام سیکتسب منزلة انسانیة لائقة و سامیة. فلا یأتی الدور للحدیث عن الخطر العسکری الاسلامی و سیکون اعتناق الدین الاسلامی من قبل الغربیین آتیاً وفقا للحریة المقدسة عندهم{1}.
{1} الدکتور محمّد اخوان، مقالة المهدویة و صراع الحضارات، مجلة : الموعود- رجب 1428، الرقم2