عيسى عليه السلام يبشّر بالنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وبالمهدي عليه السلام
وردت في كتب الأسفار بشارات عديدة بمجيء النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وسلّم، وبظهور الإمام المهدي عليه السلام، ومن تلك البشارات ما جاء في الأناجيل من أنّ السيّد المسيح عليه السلام كان يأمر حواريّيه بأن يُعلنوا للناس اقترابَ ملكوت السماوات. جاء في إنجيل متّى (... اذهبوا بالحري إلى خِرافِ بيت إسرائيل الضالّة، وفيما أنتم ذاهبون، اكرزوا قائلين: إنّه قد اقترب ملكوت السماوات. وجاء في إنجيل لُوقا ( وأيّة مدينة دخلتموها وقَبِلوكم، فكُلوا ممّا يُقدَّم لكم، واشفُوا المرضى الذين فيها، وقولوا لهم: قد اقترب منكم ملكوت السماوات). وكان عيسى عليه السلام يُعلّم تلاميذه وأتباعه أن يقولوا في صلاتهم) أبانا الذي في السماوات، ليتقدّس اسمُك، ليأتِ ملكوتك). ولو كان ملكوت السماوات قد تحقّق في عهد عيسى المسيح عليه السلام، لكان تعليمه هذا الدعاءَ لتلاميذه في صلاتهم لغواً وعبثاً، ولكان دعاؤهم (لِيأتِ ملكوتك) بلا معنى. وردت في إنجيل يوحنّا عدّة بشارات للسيّد المسيح عليه السلام بمجيء خاتم الأنبياء: محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وخاتم الأوصياء: المهديّ عليه السلام، حيث قال لحواريّيه حين اجتمعوا حوله لسماع آخر وصاياه (.. لكنّي أقول لكم الحقّ، إنّه خيرٌ لكم أن أنطَلِق، لأنّه إن لم أنطلق لا يأتيكم الفارقليط... ومتى جاء ذاك يُبكّت العالَم على خطيئة، وعلى برّ، وعلى دينونة؛ أمّا على خطيئة فلأنّهم لا يؤمنون بي، وأمّا على برّ فلأنّي ذاهبٌ إلى أبي ولا تَروَنني أيضاً، وأمّا على دَينونة فلأنّ رئيس هذا العالم قد دِينَ. إنّ لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأمّا متى جاء ذاك روح الحقّ فهو يُرشدكم إلى جميع الحقّ، لأنّه لا يتكلّم من نفسه، بل كلّ ما يسمع يتكلّم به ويُخبركم بأمورٍ آتية، ذاك يمجّدني لأنّه يأخذ ممّا لي ويُخبركم). وكلمة (فارقليط) أو (بارقليط) تقابل في العربيّة محمّد وأحمد{1}. وتشير عبارة ( متّى ما جاء ذاك روح الحقّ ) إلى أنّ روح الحقّ لم يأتِ بعدُ في زمن عيسى عليه السلام، كما تشير عبارة (فهو يُرشدكم إلى جميع الحقّ ) إلى أنّ رسالة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم وسلّم ستكون الرسالة الكاملة (اليومَ أكمَلتُ لكم دِينَكُم){2}..، (ما فَرَّطْنا في الكتابِ مِن شيء) {3}.ونلاحظ أن عيسى عليه السلام يقول لحواريّيه (وأنا أطلب من الأب فيُعطيكم فارقليطاً آخر) ، فمن هو يا ترى هذا الفارقليط الآخر الذي يُبشّر به عيسى بعد الفارقليط الأول عليه السلام؟إنّ العبارة الكاملة في إنجيل يوحنّا تقول (وأنا أطلب من الأب فيُعطيكم فارقليطاً آخر يمكث معكم إلى الأبد)، وإذا تذكّرنا أنّ اسم الإمام المهدي عليه السلام هو اسم النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، وأنّ عبارة (يمكث معكم إلى الأبد) ـ أي إلى يوم القيامة ـ يمكن فهمها إذا فسّرنا اصطلاح (الفارقليط) بمحمّد بن الحسن العسكريّ عليه السلام المهدي المنتظر، الذي هو فارقليط آخر (أي محمّد آخر)، والذي سيمكث مع الناس إلى يوم القيامة. وإذا لاحظنا الروايات المتكاثرة الواردة في نزول عيسى عليه السلام وصلاته خلف الإمام المهدي عليه السلام، ومساعدته له في إنجاز مهمّته الكبيرة، فإنّنا سنُدرك ـ على نحوٍ أفضل ـ البشارات التي ذكرها عيسى عليه السلام لحواريّيه. ونلاحظ بشارة أخرى وردت في إنجيل يوحنّا، يقول فيها عيسى عليه السلام لتلاميذه: (روح الحقّ (أي الفارقليط) الذي لا يستطيع العالَم أن يقبله؛ لأنّه لا يراه ولا يعرفه، وأمّا أنتم فتعرفونه لأنّه ماكثٌ معكم ويكون فيكم).{4}. تشير هذه العبارة بوضوح إلى الإمام المهدي عليه السلام، الذي لا يستطيع العالَم أن يقبله لأنّه لا يراه ولا يعرفه. أمّا أتباع عيسى فيعرفونه؛ لأنهّم سيُشاهدون نبيّهم عيسى يقتدي به في صلاته، ويُعينه في مهمّته. قال تعالى(وإنْ مِن أهلِ الكتابِ إلاّ لَيؤمِنَنّ به قبْلَ مَوتِه ويومَ القيامةِ يكونُ علَيهم شهيد) {5}، وقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنَه قال: (إنّ عيسى عليه السلام ينزل قبل يوم القيامة إلى الدنيا، فلا يبقى أهل مِلّة يهودي ولا غيره، إلاّ آمَنوا به قبل موتهم، ويصلّي عيسى عليه السلام خلف المهدي عليه السلام ) {6}. وعلى أساس هذه البشارات حدّثنا التاريخ أنّ النجاشي ملك الحبشة ـ وقد كان نصرانيّاً ـ قال عندما تسلّم رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلّم التي يدعوه فيها إلى الإسلام: (أشهدُ بالله أنّه نَفْس النبيّ الذي ينتظره أهلُ الكتاب )، وحدّثنا التاريخ عن المُقَوقِس حاكم مصر بموقف مماثل{7}. آمن النصارى بأصل هذه الفكرة استنادا إلى مجموعة من الایات والبشارات الموجودة فی الانجیل والتوراة ویصرح علماء الانجیل بالایمان بحتمیة عودة عیسى المسیح فی آخر الزمان، لیقود البشریة فی ثورة عالمیة كبرى، یعم بعدها الامن والسلام كل الارض كما یقول القس الالمانی فندر فی كتابه میزان الحق وانه یلجأ إلى القوة والسیف لاقامة الدولة العالمیة العادلة.وهذا هو الاعتقاد السائد لدى مختلف فرق النصارى{8}.
{1} محاضرات حول الإمام المهدي عليه السلام، الشيخ أحمد الوائلي،الجزء الخامس442
{2} المائدة:٣.
{3} الأنعام:٣٨.
{4} محاضرات حول الإمام المهدي عليه السلام، الشيخ أحمد الوائلي،الجزء الخامس446
{5} النساء: ١٥٩.
{6} ينابيع المودّة، للقندوزي ٢٣٧:٣، الباب ٧١.
{7} بشائر الأسفار بمحمّد وآله الأطهار لتامر مير مصطفى ٢٠٦.
{8}على هامش بشارات الأديان بالمهدي الامامى،عرفان محمود365