قد فصل الحدیث عن هذه العقیدة عند الیهود كثیر من الباحثین المعاصرین, وبخاصة في العالم الغربى, من امثال جورج رذرفورد فی كتابه ملایین من الذین هم احیأ الیوم لن یموتوا ابدا, والسناتور الامیركی بول منزلی فی كتابه من یجرؤ على الكلام، والباحثة غریس هالسل فی كتابها النبوءة والسیاسة, و... غیرهم كثیر. فكل من درس الدیانة الیهودیة التفت إلى رسوخ هذه العقیدة فیها وسجلها, والنماذج التی ذكرناها آنفا من هذه الدراسات, اختصت بعرض هذه العقیدة بالذات عند الیهود, والاثار السیاسیة التی افرزتها نتیجة لتحرك الیهود انطلاقا من هذه العقیدة، وفی القرون الاخیرة خاصة، بهدف الاستعداد لظهور المنقذ العالمى، الذی یؤمنون به، وسبب هذا التحرك هو ان عقيدة اليهود في هذا المجال تشتمل على تحديد زمني لبدء مقدمات ظهور المنقذ العالمى: یبدا مع سنه (1914) للمیلاد وهو عام تفجر الحرب العالمیة الاولى كما هو معروف , ثم عودة الشتات الیهودی إلى فلسطین، واقامة دولتهم التی یعتبرونها من المراحل التمهیدیة المهمة لظهور المنقذ الموعود, ویعتقدون بأن العودة إلى فلسطین هی بدایة المعركة الفاصلة، التی تنهی وجود الشر فی العالم، ویبدا حینئذ حكم الملكوت فی الارض لتصبح الارض فردوسا. وبغض النظر عن مناقشة صحة ما ورد من تفصیلات فی هذه العقیدة عند الیهود, الا ان المقدار الثابت هو انها فكرة متأصلة في تراثهم الدينى،وبقوة بالغة مكنت الیهودیة من خلال تحریف تفصیلاتها ومصادیقها ان تقیم على اساسها تحركا استراتیجیا طویل المدى وطویل النفس، استقطبت له الطاقات الیهودیة المتباینة الافكار والاتجاهات، ونجحت فی تجمیع جهودها وتحریكها باتجاه تحقیق ما صوره قادة الیهودیة لاتباعهم، بأنه مصداق التمهید لظهور المنقذ الموعود .وواضح ان الايمان بهذه العقيدة لو لم يكن راسخا ومستندا إلى جذور عميقة في التراث الديني اليهودى، لما كان قادرا على ایجاد مثل هذا التحرك الدؤوب، ومن مختلف الطاقات والاتباع، فمثل هذا لا یتأتى من فكرة عارضة او طارئة، لاتستند إلى جذور راسخة مجمع علیها.{1}
{1}علی هامش بشارات الأديان بالمهدي الامامى،عرفان محمود 356