الإمامة عند الشیعة
يعطي الشيعة لمنصب الخلافة أو الإمامة دورا " أكثر - ( دينيا " ) - مما يعطيه أهل السنة ، وذلك لأنها تعتبر عندهم الخلافة الإلهية في الأرض ، ومهمة الإمام الأساسية استخلاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وظائفه من هداية البشر وإرشادهم إلى ما فيه صلاحهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة . فالإمام هو الذي يفسر لهم القرآن ، ويبين لهم المعارف والأحكام ويشرح لهم مقاصد الشريعة ، ويصون الدين من التحريف والدس ، وله الولاية العامة على الناس في تدبير شؤونهم ومصالحهم ، وإقامة العدل بينهم وصيانتهم من التفرقة والاختلاف. فالإمامة بذلك تعد منصبا " إلهيا " ، واستمرارا " للنبوة في وظائفها باستثناء كل ما يتعلق بالوحي . وهي بهذا المفهوم أسمى من مجرد القيادة والزعامة في أمور السياسة والحكم ، ولا يمكن الوصول إليها عن طريق الشورى أو الانتخاب ، بل لا بد أن يكون تنصيب الإمام بتعين من الله( سبحانه وتعالى ) على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم . ويرى الشيعة أن الشورى حسب الآية ( وأمرهم شورى بينهم) [ الشورى / 38 ] . لا تصح إلا في الأمور التي لم يرد فيها حكم من الله ورسوله ، وأما مسألة تعيين أو اختيار ولاية أمر المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهي مما كان للشريعة الحكم القطعي فيها . ولذلك ، فالشيعة يعتبرون الإمامة أصلا " من أصول الدين لا يكتمل الإيمان إلا بالاعتقاد الصادق بإمامة الأئمة أو الخلفاء المعينين من الله ورسوله ، وأن تشريعها كان ( لطفا " ) من الله بعباده ، لأن المسلمين لم يكونوا مؤهلين لسد الفراغات التي خلفها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغيابه . فالحقبة الزمنية التي قضاها بينهم تعد قصيرة لإعداد أمة كاملة إعدادا " كافيا " ، يؤهلها لإدارة وتدبير شؤونها الدينية والدنيوية بعده ، وخصوصا " إذا كان الأمر متعلقا " بإعداد أمة قد ترسخت فيها عادات المجتمع الجاهلي ووحشيته ، والذي كانت تحكمه لا أقل من شريعة الغاب فضلا " من أن الغالبية العظمى ممن أسلموا قد تلفظوا بالشهادتين بعد فتح مكة وأواخر حياة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . فإعداد هكذا أمة لا يمكن أن يتم خلال تلك الحقبة الزمنية القصيرة ، لا سيما إذا علمنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى أكثر من نصف عمر دعوته في مكة يدعو الناس إلى قول كلمة التوحيد لا غير ، ولم يقلها منهم إلا القليل ، وقضى ما تبقى من عمر الدعوة في المدينة وكان شغله الشاغل فيها الدفاع عن الإسلام كوجود مهدد بالفناء ، وقد أخذت الحروب والغزوات الكثيرة من المسلمين كل مأخذ ، والتي محص بعضها - كموقعتي أحد وحنين على سبيل المثال - مدى تغلل الإيمان في نفوسهم ! ولهذه الأسباب يرى الشيعة أن الله ( سبحانه وتعالى ) لم يطلب من رسوله سوى تبليغ الرسالة للناس ، وإقامة الحجة عليهم بها لقوله جل وعلا : ( فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين ) [ المائدة / 92 ] وقوله تعالى : ( فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا " إن عليك إلا البلاغ ) [ الشورى / 48 ] . فالحفيظ المقصود في هذه الآية هو المسؤول عن هداية الناس وتعليمهم ، كما في قوله تعالى أيضا " : ( إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) [ الرعد / 7 ] . واعتمادا " على هذه الآيات وغيرها يرى الشيعة أن دور الخلافة والإمامة في كل عصر ( لكل قوم هاد ) هو هداية الإنسان وإصلاح الفرد والمجتمع من خلال حمل الرسالة وحفظها من تحريف المحرفين ، وتشكيك المشككين ، وإلا فما هي فائدة سلامة تبليغ هذه الرسالة إذا لم تحفظ بعد رحيل مبلغها بأيد أمينة ؟ على أن ما حدث للشرائع السابقة فيه الإجابة الوافية على هذا التساؤل ، حيث كان أتباعها يأخذون معالم شرائعهم بعد رحيل أنبيائهم عن أي من كان ، فحصل التحريف الذي أخبر عنه العلي الحكيم : ( أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون ) [ البقرة / 75 ] . وهكذا يرى الشيعة أيضا أن قوله تعالى : ( يوم ندعوا كل أناس بإمامهم ) [ الإسراء / 71 ] وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية ) ( 1 ) إنما هو للتأكيد على أن أهداف رسالة الإسلام بعد رحيل المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال إمامة الخلفاء الهادين المرشدين : ( أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ) [ يونس / 35 ] (1).
{1} أزمة الخلافة و الإمامة، أسعد وحید قاسم ص6-35