الأدلة في إثبات إمامة أهل البيت عليهم السلام
إن النصوص المروية عن الرسول ( ص ) في إمامة أهل البيت على الأمة من بعده كثيرة و أشهرها : فمن صحيح مسلم ، بسنده عن زيد بن أرقم قال : " إن الرسول ( ص ) قال : " ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب ، وإني تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به . . وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي " . ومن صحيح الترمذي ، بسنده عن جابر بن عبد الله قال : " رأيت رسول الله ( ص ) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصوى يخطب ، فسمعته يقول : يا أيها الناس ، إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ." وهذا الحديث لو لم يوجد غيره لكفى في إثبات أحقية مذهب الشيعة الذي يوجب التمسك بأهل البيت عليهم السلام بالإضافة إلى الكتاب الكريم ، حيث نجد في هذا الحديث أمر الرسول صلى الله عليه وآله واضحا في أتم صور الوضوح بالتمسك بأهل البيت عليهم السلام من بعده ، وإن هذا التمسك بالإضافة إلى الأخذ بالقرآن الكريم هو شرط النجاة وعدم الضلالوبالرغم من أن مسلم وكثير غيره من علماء الحديث من أهل السنة قد أخرجوا هذا الحديث في صحاحهم ومسانيدهم ، إلا أنه ولدهشتي الكبيرة أجد معظم أهل السنة يجهلونه بل وينكرونه عند سماعهم به وكأنه غير موجود، ومحتجين بأن الصحيح في ذلك هو ما رواه أبو هريرة بأن الرسول ( ص ) قال : " إني قد خلفت فيكم ما لن تضلوا بعدهما أبدا ما أخذتم بهما أو عملتم بهما : كتاب الله وسنتي " وعند التقصي عن مصدر هذه الرواية ، وجدت أنها لم تروى في أي من الصحاح ، وقد ضعفها ( 2 ) كل من البخاري والنسائي والذهبي وغيرهم ، وقد رواها الحاكم في مستدركه الذي يعتبر بإجماع علماء أهل السنة أقل درجة من صحيح مسلم الذي أورد حديث " . . كتاب الله وعترتي أهل بيتي " وعلى فرض عدم تعارض الروايتين ، فإنه لا بد من التسليم بأن المقصود بكلمة " سنتي " في رواية الحاكم هو السنة المأخوذة عن طريق أهل البيت النبوي وليس غيرهم كما يتبين بوضوح في رواية مسلم . أما التمسك برواية الحاكم " . . كتاب الله وسنتي " وترك رواية مسلم " . . . كتاب الله وعترتي أهل بيتي " فإن في ذلك مخالفة ليس فقط لما أجمع عليه علماء الحديث من أهل السنة بتقديم أحاديث مسلم على أحاديث الحاكم ، بل ومخالفا أيضا للمنطق والعقل ، ذلك أن كلمة " سنتي " مجردة كما في رواية الحاكم لا تفيد علما ، فجميع الطوائف الإسلامية تزعم أنها تتبع سنة النبي صلى الله عليه وآله ، وبالنظر إلى وجود الاختلافات الكثيرة بين هذه الطوائف ، والتي غالبا يكون سببها الاختلاف في السنة النبوية المنقولة إليها عبر طرق مختلفة والتي تعتبر مفسرة ومكملة للقرآن الكريم الذي أجمعت جميع طوائف المسلمين على صحة نقله ، وهكذا فإن الاختلاف في الحديث المنقول - والذي أدى إلى الاختلاف أيضا في تفسير القرآن - أصبحت السنة النبوية سننا متعددة والمسلمون تبعا لذلك أصبحوا مذاهب وفرق متعددة أيضا ، روي أن عددها ثلاث وسبعين فرقة . . . فأي سنة من تلك السنن أحق بالإتباع ؟ ، وإنه لسؤال فطري يدور في خلد كل من يتمعن في هذا الاختلاف والذي جاء الحديث أعلاه ليجيب عليه حق لا يترك المسلمون هكذا يحيرون في إسلامهم بعد رحيل مبلغه ، فكانت التوجيهات النبوية المقدسة تقضي بأخذ السنة النبوية المطهرة عن طريق أهل البيت النبوي الذي نطق القرآن بتطهيرهم ، وهي بذلك واضحة لا تحتمل ألفاظها أي معنى آخر ، وإن ذلك الأخذ هو وحده الأمان من الفتنة والضلال{1}.
{1} حقيقة الشيعة الاثني عشرية، أسعد وحيد القاسم، ص 21 .