مفهوم الوراثة في كتب العهدين
الميراث في الكتاب المقدَّس يتجاوز بمفهومه المعنىٰ القانوني العامّ لهذه الكلمة، فهي تشير إلىٰ إحراز الخيرات بصفة ثابتة ودائمة، وبه يكون الاختبار الإنساني الذي انطلاقاً منه تعبّر المصطلحات الدينية في العهد القديم والعهد الجديد عن جانب أساسي من هبة الله للإنسان.
ففي العهد القديم يدلُّ الميراث علىٰ امتلاك أرض الميعاد ويدور موضوعه حول وراثة تلك الأرض والأراضي الأُخرىٰ، كما جاء في سفر التكوين: (لنسلك أُعطي هذه الأرض) ، ولا ينحصر في الميراث الذي يفترض بموت أحد.
أمَّا في العهد الجديد فالميراث هو الخلاص علىٰ الصعيد الروحي والمادّي ووراثة مجمل الخيرات الإلهية بوراثة الأرض (طوبىٰ للودعاء لأنَّهم يرثون الأرض) ، والدخول في الملكوت السماوي أو الإلهي (يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعدِّ لكم منذ تأسيس العالم) ، والحياة الأبدية (وكلّ من ترك بيوتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أُمّاً أو بنين أو حقولاً لأجل أسميٰ، ينال مائة ضعف ويرث الحياة الأبدية) ، وكلّ هذا الميراث يهبه الله للمؤمنين علىٰ يد المخلِّص المنتظر.
وهناك وراثة الذنب أو الخطيئة وهي مسألة معروفة في الفكر اليهودي والمسيحي، أي وراثة الذنب أو الخطأ الذي يرتكبه الآباء من قبل الأبناء إلىٰ الجيل الثالث أو الرابع، وقد أقرَّت نصوص التوراة هذه العقيدة غير أنَّ أحداً منها لم يكن يتحدَّث عن الخطيئة الأصلية لآدم والتي يتعلَّق النصارىٰ بها، وهي عقيدة مأخوذة من الأُمم الوثنية التي أعاب الكتاب المقدَّس علىٰ اليهود اتّباعهم بقوله: (وساروا باطلاً وراء الأُمم الذين حولهم والذين أمرهم الربّ أن لا يعملوا مثلهم).
وبذلك يكون مفهوم الميراث في العهد الجديد قد تجاوز مفهومه في العهد القديم من وجهتين:
الأُولىٰ: أنَّ المسيح هو الوارث وبه أصبح المؤمنون ورثة.
الثانية: أنَّ الميراث الحقيقي هو الملكوت الذي سيقيمه المسيح.
وما يهمُّ البحث هو وراثة الأرض ودخول ذلك الملكوت{1}.
{1} وراثة الأرض في القرآن الكريم والكتب السماوية،نور مهدي كاظم الساعدي،ص268
