منزلة الإمام:
واعتقاد الإمامية ينبع من مصادر متينة كالفطرة والعقل والنقل، وهم يقولون: إنّ الإمام الذي لا بدّ أن يترأّس الأمّة له السلطة التامّة عليهم في جميع ما يرتبط بسعادة الأفراد في الدارين، ويقيم الاجتماع الإنساني على قواعد العدل والإنصاف، ويشيع بين الأفراد المحبّة والوئام، وينظّم جميع العلاقات على الوجه الأحسن. ولا يمكن أن تخلو الأرض منه، لأنّه بدونه يفسد النظام الكوني، والبحث في ذلك طويل. وما نذكره في المقام إنّما هو على سبيل الإيجاز بما يقتضي ارتباطه بالموضوع الذي نحن في صدد البحث عنه.
الأدلّة:
إنّ الأدلّة على ثبوت هذه المنزلة العظيمة للإمام ووجوده في كل عصر وزمان منذ أن أنزل الله تعالى خليفته على الأرض، فبدأ نزول الإنسان مع الخليفة، وسينتهي وضعه على الأرض بخليفة إلهي، كثيرة ومن وجوه مختلفة:
الوجه الأوّل: (القرآن الكريم): من الكتاب العزيز آيات متعدّدة: منها: قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).
فإنّه يدل بوضوح على ارتباط الإمام بليلة القدر، فما دامت الأخيرة في الوجود فلا بدّ أن يكون الإمام موجوداً.
وأمّا وجه الارتباط بينهما فإنّما يظهر في إنزال الملائكة من كل أمر يرجع إلى شؤون العباد في ذلك العام، ولا بدّ أن يكون في الأرض من يتلقّى هذا الفيض الربوبي، بعد عدم صلاحية كل فرد أن يتلقّاه بسبب النقص الموجود فيه من جهة أو من جهات. فالملائكة الموكّلة بذلك إنّما تنزل على شخص واحد جامع لجميع ما يرتبط بهذا الشأن من الشروط، وهو ينحصر في الإمام، وقد يتّحد مع النبي المرسل فيكون فرداً واحداً هو نبي وإمام في آن واحد، كما في إبراهيم الخليل عليه السلام وسائر أولي العزم، وأمّا بعد ارتحال نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وانقطاع النبوّة بعده فلا يكون الإمام نبيّاً، كما في عصرنا الحاضر. ومنها: قوله تعالى: (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَْرْضِ).
فإنّه يرشد إلى أنّ الأرض لا تخلو من وجود ما ينفع الناس مادّياً ومعنوياً بحسب إطلاقه، وإلاّ غلب عليها الفساد.
ومن أظهر مصاديق ما ينفع الناس الإمام الذي يترأّس الأمّة ليهديهم إلى الصلاح ويرشدهم إلى السعادة، فلابدّ أن يكون موجوداً في جميع الأعصار، ويجب أن يمكث في الأرض ولا تخلو منه. ومنها: قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ). فإنّ المستفاد منه أنّ الكلمة الطيّبة كتلك الشجرة التي لها أصل في الأرض وفرع في السماء، ينتفع بها الأرض والسماء كلتاهما، وتصل ثمرتها إليهما معاً، وأنّها سبب في اجتثاث الكلمة الخبيثة، وأنّ هذه الكلمة الطيبة تتمثّل في الأنبياء والأئمّة عليهم السلام على مرّ العصور والدهور.فلا بدّ أن تكون هذه الكلمة باقية، لئلاّ تختل وظيفتها في اجتثاث الكلمة الخبيثة. فترشد الآية الكريمة إلى أمرين:
أحدهما: وجود الكلمة الطيّبة دائماً. والثاني: أنّ ثمرتها تعمّ النظام الكوني من الأرض والسماء، وهما من مقوّمات عقيدة الشيعة في الإمام عليه السلام. ومنها: قوله تعالى: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَْرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ). فإنّه يدل على أنّ المستضعفين الذين قاسوا أشدّ المحن في سبيل الله تعالى وإقامة دينه ونشر أحكامه، هم الذين يمنحهم الله عز وجل تلك المنحة الربّانية، فيجعلهم أئمّة ويجعلهم الوارثين. فهم الذين يقودون الأمّة ليرشدوهم إلى الصراط المستقيم، الذي أمر الله تعالى عباده بسلوكه. فلا بدّ من تواجدهم دائماً، لئلاّ يخل فقدهم بالمطلوب، ليرث كل إمام لاحق ما كان عند الإمام السابق، إلى آخر إمام عند قيام الساعة، فلو كانت فاصلة بين المورّث والوارث لا يتلقى التركة منه مباشرة لم ينطبق عليه هذا العنوان الخاص. هذا موجز ما يمكن أن يستفاد من الآيات الكريمة التي ذكرناها في المقام، وإن كان الأمر لا يخلو من نقض وإبرام، ويحتاج إلى تفصيل من الكلام{1}.
{1}عمر الإمام المهدي عليه السلام، علی السبزواری، ص256