شروط الشخصية القائدة:
والحاصل منها أنّ الإمام لا بدّ أن يكون:
أوّلاً: شخصاً له من الصفات الحسنة الكمالية بحيث يكون مؤهّلاً لتلقي الفيض من الله تعالى في ليلة القدر.
وثانياً: قائداً للأمّة إلى سعادتها التي أعدّها الله تعالى لها. بحيث ينتفع من فيوضاته جميع أفراد الأمّة.
وثالثاً: مؤثّراً في النظام الكوني، لكون أصله في الأرض وفرعه في السماء.
ورابعاً: أنّه لا بدّ أن يكون موجوداً في جميع أدوار الزمان، فلا تخلو الأرض منه، فهو آخر الأفراد من البشر، ليكون الوارث الذي يرث الأرض.
وخامساً: عالماً بجميع ما يرتبط بشؤون الأمّة التي يقودها.
الوجه الثاني: (السنة الشريفة): من السنّة الشريفة، جملة وافرة من الأخبار: منها: حديث الثقلين المتواتر عند الفريقين عن نبيّنا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم. وهو يدلّ على قيام الكتاب إلى يوم القيامة وقرينه الذي لن يفترق عنه، فأحدهما كتاب الله التدويني الصامت، والآخر كتاب الله الناطق، وهما متطابقان في أنّ عندهما ما يفي بحاجات الأمّة.
ومنها: ما ورد عن الإمام الرضا عليه السلام في بيان منزلة الإمام.وهو من الأحاديث المهمّة التي تشرح ما يرتبط بهذه المنحة الإلهية والموهبة الربّانية، وتبيّن وظائف الإمام وعظيم تأثيره في النظام الكوني والتشريعي.
فقد رواه ثقة الإسلام الكليني قدس سره عن عبد العزيز بن مسلم عن مولانا الرضا عليه السلام _ والحديث طويل _ نذكر ما يرتبط بالمقام: قال عليه السلام: هل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الأمّة فيجوز فيها اختيارهم؟
إنّ الإمامة أجلّ قدراً، وأعظم شأناً، وأعلا مكاناً، وأمنع جانباً، وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم. إنّ الإمامة (منزلة) خصّ الله بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوّة، والخلّة مرتبة ثالثة وفضيلة شرّفه الله بها وأشاد بها ذكره، فقال عز وجل: (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً)، فقال الخليل عليه السلام سروراً بها: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)، قال عز وجل: (لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)، فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة، ثم أكرمه الله عز وجل بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة...
ثمّ قال عليه السلام: إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء. إنّ الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم...إنّ الإمامة زمام الدين، ونظام أمور المسلمين، وصلاح الدنيا، وعزّ المؤمنين.
إنّ الإمامة أسّ الإسلام النامي، وفرعه السامي... الإمام يحلّ حلال الله ، ويحرّم حرام الله، ويقيم حدود الله، ويذبّ عن دين الله... الإمام كالشمس الطالعة المجلّلة بنورها للعالم، وهي في الأفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار.
الإمام البدر المنير، والسراج الزاهر، والنور الساطع، والنجم الهادي في غياهب الدجى وأجواز البلدان والقفار ولجج البحار.
الإمام الماء العذب على الظماء، و(النور) الدال على الهدى، والمنجي من الردى. الإمام النار على اليفاع، الحار لمن اصطلى به، والدليل في المهالك، من فارقه فهالك. الإمام السحاب الماطر، والغيث الهاطل، والشمس المضيئة، والسماء الظليلة، والأرض البسيطة، والعين الغزيرة، والغدير والروضة... الإمام أمين الله في خلقه، وحجّته على عباده، وخليفته في بلاده، والداعي إلى الله، والذاب عن حُرم الله.الإمام المطهّر من الذنوب، والمبرّأ عن العيوب، المخصوص بالعلم، الموسوم بالحلم...الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كلّه، من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل اختصاص من المفضّل الوهّاب...إلى آخر الحديث. فإذا كانت حقيقة الإمامة عند الشيعة الإمامية كذلك، والإمام له من الصفات الواقعية والكمالية ما يجعله فرداً لا نظير له من التأثير في النظام الكوني، لأنّه قوام الحياة في دار الدنيا وسرّها المكتوم. فلا بدّ للخصم _ بحكم عقله _ إذا ألقى العناد واللجاج أن يذعن بلزوم وجوده وترؤّسه لقيادة الأمّة، ووجوب تبعيّة الناس له، وإلاّ كان مكابراً منكراً لحقيقة ناصعة.
فلا يمكن الاستغناء عن هذا الإمام، الذي عظم شأنه بحكم العقل، فلا بدّ له أن يحكم بوجوده وعدم خلوّ الأرض منه.
ويجب على الخصم أن يذعن بطول عمره، لأنّه من اللوازم غير المنفكّة عنه، وهو ممّا يحكم به العقل أيضاً.
حاكميّة العقل:
تبيّن أنّ النزاع بين الشيعة الإمامية والخصم إنّما يكون صغروياً، فإنّ الجميع يعترف باحتياج الأمّة إلى إمام يترأّسها لهداية الناس وإرشادهم إلى سبيل الصلاح، وجلب السعادة لأفرادها. إلاّ أنّ الفريق الخصم لا يرى في الإمام المنصوب ما تشترطه الشيعة الإمامية في إمامهم. فلو كان الحكم هو العقل بين الطرفين، لكان يحكم بأنّ ما تذهب إليه الشيعة الإمامية هو الأجدر بالقبول، لأنّ نظريات وأطروحات الخصم في أمر الإمامة باءت كلّها بالفشل، ولم تجلب السعادة للأمّة في أرض الواقع، ولم يبق إلاّ ممارسة نظرية الإمامية وتطبيقها على الواقع الخارجي.
وحينئذٍ ما ذكره الخصم من الشبهات في أمر الإمام المهدي الموعود عجل الله فرجه يظهر زيفها وبطلانها، بل لا بدّ لهم من الإقرار بوهنها أمام هذا الصرح العظيم الذي تبيّنت جملة من مظاهر حقيقته ممّا عرفت.إلاّ أنّ ظلمة العناد واللجاج تدلي ستارها على نور العقل، فتسلب مشاعر الإنسان وشعوره، فلا يقول إلاّ شططاً. فإذا أراد الخصم تكرار الشبهات، لا سيما ما يتعلّق بطول عمر المهدي الموعود عليه السلام ممّا ذكرناها في ابتداء الكلام، فيمكن الجواب عنها بوجوه، نذكرها إن شاء الله تعالى في الندوة الآتية{1}.
{1}عمر الإمام المهدي عليه السلام،علی السبزواری،ص245