الصنف الأوَّل: المتظاهرون بالاعتقاد بالإمام عليه السلام الجاحدون له في دخيلة أنفسهم، فهم لايعتقدون به حقيقة وإن صرَّحوا بأنَّهم يعتقدون به، لكنَّهم يتظاهرون بالاعتقاد به باعتبارهم يعيشون في الوسط الشيعي. وعادةً فإنَّ هذا الصنف هم ممَّن تأثَّروا بالثقافات الغربية وبطريقة تفكير منظّريها، وهؤلاء يُسرّون في أنفسهم ما قد يظهر من كلمات بعضهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أنَّ قضيَّة الإمام المهدي عليه السلام هي إمَّا خرافة أو هي قريبة من ذلك.
الصنف الثاني: الذين يعتقدون بالإمام المهدي عليه السلام، لكن إيمانهم بالإمام عليه السلام إيمان ضعيف، ربَّما يزول من مواجهة أيّ شبهة، وهؤلاء إنَّما آمنوا بهذه القضيَّة باعتبارهم ينتمون إلی المذهب الشيعي الذي يُؤكِّد علی هذه القضيَّة ويعتبرها من أُسس هذا المذهب. وهذا الوصف ينطبق علی من ليس لديه الحدّ الأدنی من المعرفة بأُمور المذهب، بسبب عدم اهتمامهم بالأُمور الدينية عامَّة وبالقضيَّة المهدوية خاصَّة، ولذلك صار إيمان هؤلاء بهذه القضيَّة ضعيفاً مهزوزاً.
الصنف الثالث: المعتقدون بالإمام المهدي عليه السلام عن علم وبصيرة: وهؤلاء هم الذين يُشخِّصونه عليه السلام ويعرفونه ببصيرتهم ومعرفتهم التي زكّوها ونمّوها بالمثابرة الطويلة بالعلم والعمل بما يُقرِّبهم إلی إمامهم، فسلَّموا إليه أمرهم، وانتظروه بكلِّ إخلاص، وتطلَّعوا إليه بمنتهی الشوق والحبّ باعتباره أملهم الوحيد، وخلاصهم المنشود، فعاش في ثنيات قلوبهم، وفي تفاصيل أفكارهم، فذرفوا عليه دموع الحنين إليه، وتنفَّسوا صعيد منی تحقيق أهدافه، وأجهدوا أنفسهم في التمهيد لظهوره، وأفنوا أعمارهم فيما يأملون رضاه، متوسِّلين إلی الله سبحانه صباح مساء بحفظ قائدهم، راجين منه تعالی تعجيل ظهوره والتشرّف بخدمته.
الصنف الرابع: المستعجلون: وهؤلاء كالصنف الأوَّل الذين معرفتهم بالإمام عليه السلام معرفة ضعيفة، إلَّا أنَّهم يختلفون عن أُولئك بأنَّ ارتباطهم بالمهدي عليه السلام عاطفي فقط، وبما أنَّ هؤلاء قد حيَّدوا عقولهم وضعفت معرفتهم، فهم بسبب جهلهم واستعجالهم ينخدعون بالأسماء والعناوين البرّاقة، ومع تطوّر وسائل الاتّصال والإعلام تسرَّب إلی عقول هؤلاء كثير من آراء أُولئك المتربّصين بالمناصب الدينية الذين استغلّوا عوامل متعدِّدة أعانتهم علی تضليل هؤلاء المساكين الذين يجهلون أبسط قواعد الارتباط الصحيحة بإمامهم عليه السلام. وخلاصة ما يشترك به هؤلاء المستعجلون القاصرون عن معرفة الانتماء لقادة الدين:
1_ الاندفاع والتعلّق العاطفي بالقيادات.
2 _ الاطّلاع علی أفكار غير دقيقة أو ذات معاني متشابهة حول الإمام المهدي عليه السلام.
٣_ تفسير الانتماء لقادة الدين وفق موازين مغلوطة.
وإذا كثَّفنا هذه العناوين الثلاثة تبدو كالتالي: (الاندفاع والتعلّق بالقائد المهدي عليه السلام ضمن موازين مغلوطة). وإن ضغطناها أكثر نحصل علی العنوان التالي: (البحث الخطأ عن المهدي الذي يوصلهم إلی المهدي الخطأ). هذه هي النتيجة الحتمية التي تنتهي إليها وتنشأ من خلالها رايات الضلال هذه.
وهذه هي الطبقة الاجتماعية التي شكَّلت النواة والأرضية الخصبة لولادة أفكار منحرفة، ورفعت علی أكتافهم رايات الضلال، وبرز من وسط هذه الفئة من لديهم الطموح والجرأة، طموح يُحقِّقون من خلاله أهدافهم المغيَّبة والتي أبرزتها الظروف المناسبة والتي من أبرزها وجود أُناس يبحثون عن قائد يمكن اصطناع مثيل له من خلال استدراج عقولهم الرخوة وجهلهم بقواعد معرفة تشخيص القيادة الإلهية، ولديهم من السذاجة بحيث لم يُفرِّقوا بين عِجْلٍ له خوار وبين مالك الوجود، والجرأة علی انتهاك حرمات مقامات أولياء الله تعالی، ونسبة تلك المقامات لذواتهم المتعطِّشة للترؤّس والسيطرة علی قلوب الناس وعقولهم.
ويحيط بهؤلاء ثُلَّة يدعون إلی هذه الدعوة لأنَّهم يستفيدون من الدعوة الجديدة أموالاً طائلة ما كانوا يحلمون بها، ويتبوؤون مقامات في الوضع الجديد يجعل لهم مكانة وشهرة عند أُولئك الأتباع.
وتبقی صفة الجهل بالإمام عليه السلام وطريقة الانتماء له هي الصفة الأكثر تأثيراً في الصفات الأُخری وإنتاجاً لها، فالانتماء الصحيح المتولِّد عن المعرفة الصحيحة سوف ينتج إيماناً ذا أساس متين وقوي، وبخلافه فإنَّ المعرفة الخاطئة سوف تنتج ارتباطاً خاطئاً، وبالتالي إيماناً هشَّاً وضعيفاً حتَّی وإن تصوَّر صاحبه أنَّه من الموقنين، خصوصاً أنَّ من أدوات هؤلاء المتربِّصين للقيادة تشبيه الحقّ بالباطل، وأحد تطبيقات تشبيههم هو دفع الناس البسطاء إلی الأمام من خلال إيهامهم أنَّهم صفوة عباد الله، وأنَّ إيمانهم هو اليقين بعينه، ولا يوفَّق إلی هذا المستوی إلَّا الخُلَّص من المؤمنين.
ولكي يبقی المؤمن متمسِّكاً بإمامة الإمام الثاني عشر عليه السلام فهو بحاجة إلی عاملين حاسمين، قد بيَّنهما الإمام أمير المؤمنين عليه السلام والإمام السجّاد عليه السلام، والعاملان هما: قوَّة اليقين، والمعرفة الصحيحة. قال أمير المؤمنين عليه السلام: (... وإنَّ للغائب منّا غيبتين، إحداهما أطول من الأُخرىٰ، فلا يثبت علی إمامته إلَّا من قوي يقينه، وصحَّت معرفته).وعن الإمام زين العابدين عليه السلام: (... وأمَّا الأُخری فيطول أمدها حتَّىٰ يرجع عن هذا الأمر أكثر من يقول به، فلا يثبت عليه إلَّا من قوىٰ يقينه، وصحَّت معرفته، ولم يجد في نفسه حرجاً ممَّا قضينا، وسلَّم لنا أهل البيت).
لم يكتفيا عليهما السلام بأن يكون الثابت علی ولاية الإمام المهدي عليه السلام له يقين أو له معرفة، بل خصَّصا ذلك بقوَّة اليقين والمعرفة الصحيحة، فالقوَّة والصحَّة لليقين والمعرفة هما ما يُشكِّلان فارقاً في عملية النجاح في اختبار الثبات، وبهما يتمُّ اجتياز شبّاك المتصيِّدين علی ضفاف الولاية، وتشخيص راية الحقِّ من رايات الضلال، ومن خلالهما يُميّز بين عطر الولاية وجيفة النفاق، وبين صوت العدل والرحمة، وصوت إبليس وأتباعه.
ولا تُوصَف معرفة عبد بالصحيحة إلَّا إذا أخذها من أهلها الذين هم الادلَّاء علی الله تعالی، وحججه علی عباده، وأُمنائه في بلاده. أمَّا لو بني إيمانه علی أماني وعواطف مستعجلة، وتصوّرات قد أسَّسها المتطفِّلون علی آل محمّد عليهم السلام، فتجد صاحب هكذا إيمان كلّ يوم في ملَّة، يُمسي تابعاً ليماني، ويُصبِح وهو وليّ لشبيه مهدي أو رسول من السماء أو راع للأنبياء أو بيضة في السماء، ولا يلبث حتَّی يدعو لنفسه أحد تلك المقامات ظلماً وبهتاناً، فيبدؤون بكذبة، وينتهون بكفر، أعاذ الله أتباع آل محمّد عليهم السلام من مكرهم وخديعتهم، وردَّ كيدهم وافتراءهم إلی نحورهم.
قال تعالی: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (الأنعام: ٩٣).
وقال سبحانه: (قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (القصص: ٤٩ و50){1}.