التعريف الرقمي للإمام المهدي عليه السلام
بذل أهل البيت عليهم السلام جهداً بالغاً وعناية خاصّة بلغة الأرقام في تعيين مهدي الأُمم وبأشكال مختلفة ومتنوّعة، فطائفة من الروايات تقول: الثاني عشر، وأُخری تقول: التاسع من ذرّية الحسين، وثالثة تقول: الرابع من ولدي، وغيرها. ولذا فقد جاءت تصريحات الإمام موسی الكاظم عليه السلام ضمن هذا النسق أيضاً في تعيين الإمام المهدي عليه السلام، فقد روی ابن بابويه رحمه الله بسنده عنه عليه السلام أنَّه قال: (إذا فقد الخامس من ولد السابع، فالله الله في أديانكم لا يزيلنَّكم أحد عنها وروی الصدوق رحمه الله بسنده عن يونس بن عبد الرحمن، قال: دخلت علی موسی بن جعفر عليهما السلام فقلت له: يا ابن رسول الله، أنت القائم بالحقّ؟ فقال: (أنا القائم بالحقّ ولكن القائم الذي يطهِّر الأرض من أعداء الله عزّ وجلّ ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً هو الخامس من ولدي له غيبة يطول أمدها خوفاً علی نفسه، يرتدُّ فيها أقوام ويثبت فيها آخرون.وقد مرَّ ما رواه المفيد رحمه الله عنه عليه السلام أنَّه قال : (إذا توالت ثلاثة أسماء: محمّد وعلي والحسن، فالرابع هو القائم صلوات الله عليه وعليهم).
والتعريف الرقمي حقيقة ينبغي التأمّل فيها والتوقّف عندها، فلماذا انتهج أهل البيت عليهم السلام هذه الوسيلة لتشخيص الإمام المهدي وتعيينه؟والجواب: يمكن الإشارة إلی عدَّة احتمالات قد يكون بعضها صالحاً للإجابة وقد تكون كلّها كذلك، ولعلَّ هناك إجابة لم نتوفَّر عليها لقلَّة الزاد والبضاعة المزجاة.ولعلَّ من الأوجه هو: أنَّ استعمال اللغة الرقمية والرياضية لا يمكن أن تخطأ أو تنحرف عن الصواب أو تلتبس علی المخاطب بعكس لغة التشبيه والمثال والمقاربة ممَّا يعكس اهتماماً فائقاً عند أهل البيت عليهم السلام في إيضاح الشخصية بأجلی صورها وبشكل لا يمكن أن يتخلَّله الاشتباه بالمصاديق والإجمال بين الأفراد. وربَّما يكون الهدف من اللغة الرقمية هو إحاطة الإمام المهدي عليه السلام بمزيد من السرّية والتكتّم _ في عين الجلاء والوضوح لمن كان له قلب أو ألقی السمع وهو شهيد _، فهي تتناسق وتتماهی مع عقيدة الغيبة في مدرسة أهل البيت ومبدأ التقيّة عندهم عليهم السلام والتي تعني في إحدی جنباتها إيصال الفكرة مع تغليفها بأُطر يعجز عن إدراكها البعيد عن مفاهيم هذه المدرسة الإلهية ولا ينالها إلَّا ذو حظّ عظيم، ولذا نلاحظ أنَّه وبالرغم من أنَّ الإمام موسی الكاظم عليه السلام عرَّف المهدي عليه السلام تعريفاً رقمياً لا يمكن أن يخطأ إلَّا أنَّه وبالوقت نفسه قال: (عقولكم تصغر عن هذا)، وذلك حينما سأله أخوه علي بن جعفر: يا سيّدي، من الخامس من ولد السابع؟ فقال: (يا بني، عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه).
وفي خصوص هذه المفردة الرقمية التي تحدَّثت عنها الرواية المهدوية الكاظمية يمكن أن يكون المراد هو الإشارة إلی تلبيس مفهوم المهدوية من قِبَل البعض علی الولد السابع والذي يعني نفسه القدسية، والابتعاد عن المصداق الحقيقي والوحيد لهذا المفهوم، لذا اقتضی التنويه من قِبَله عليه السلام لهذا الأمر حتَّی لا تنحرف المسيرة المهدوية بإيجاد مصاديق أُخری لها غير ما اختاره الله ورسمه وأكَّد عليه أهل البيت عليهم السلام{1}.
{1}العقيدة المهدوية في عصر الإمام موسىٰ الكاظم عليه السلام، محمد القبانچي، ص78