أحواله عليه السلام حين ولادته
قال الشيخ الجليل محمَّد بن الحسن الطوسي نوَّر الله مرقده: وفي رواية أخرى عن جماعة من الشيوخ: أنَّ حكيمة حدَّثت بهذا الحديث (أي حديث ولادة الصاحب عليه السلام)، وذكرت: (إنَّه كانت ليلة النصف من شعبان، وأنَّ أمّه نرجس؛ وساقت الحديث إلى قولها: فإذا أنا بحسِّ سيِّدي، وبصوت أبي محمَّد عليه السلام وهو يقول: يا عمَّتي! هاتي ابني إليَّ. فكشفت عن سيِّدي، فإذا هو ساجد متلقِّياً الأرض بمساجده، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)، فضممته إليَّ، فوجدته مفروغاً منه، فلففته في ثوب، وحملته إلى أبي محمَّد عليه السلام). وذكروا الحديث إلى قوله: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله، وأنَّ علياً أمير المؤمنين حقَّاً، ثمَّ لم يزل يعدّ السادة الأوصياء إلى أن بلغ إلى نفسه، ودعا لأوليائه بالفرج على يديه، ثمَّ أحجم. وقالت: (ثمَّ رفع بيني، وبين أبي محمَّد عليه السلام كالحجاب، ولم أر سيِّدي، فقلت لأبي محمَّد عليه السلام: يا سيِّدي! أين مولاي؟! فقال: أخذه مَنْ هو أحقّ منكِ، ومنَّا. ثمَّ ذكروا الحديث بتمامه، وزادوا فيه: فلمَّا كان بعد أربعين يوماً دخلتُ على أبي محمَّد عليه السلام، فإذا مولانا الصاحب عليه السلام يمشي في الدار، فلم أر وجهاً أحسن من وجهه، ولا لغةً أفصح من لغته. فقال أبو محمَّد عليه السلام: هذا المولود الكريم على الله عز وجل. فقلت: سيَّدي، أرى من أمره ما أرى وله أربعون يوماً؟! فتبسَّم، وقال: يا عمَّتي، أما علمت إنَّا معاشر الأئمّة ننشؤ في اليوم ما ينشؤ غيرنا في السنة. فقمت وقبَّلتُ رأسه، وانصرفت، ثمَّ عدت، وتفقدته، فلم أره، فقلت لأبي محمَّد عليه السلام: ما فعل مولانا؟ فقال: يا عمَّة، استودعناه الذي استودعته أمُّ موسى عليه السلام). وقد ورد في روية أخرى: أنَّ الإمام العسكري ينقل... (أسكتي فإنَّ الرضاع يحرم عليه إلاّ من ثدييك، ويعاد إليك كما ردَّ موسى عليه السلام إلى أمِّه، وذلك قول الله عز وجل: (فَرَدَدْناهُ إِلى أمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ){1}.
{1}كشف الحق أو الأربعون، محمد صادق الخاتون آبادي، ص145