ردّ شبهة الخصوم في مسألة طول العمر
والذي تخيّله الخصوم هو: فساد قول الإماميّة بدعواهم لصاحبهم طول العمر، وتكامل أدواته فيه، وبقائه إلى يومنا هذا وإلى وقت ظهوره بالأمّة، على حال الشبيبة،و وفارة العقل والقوّة، والمعارف بأحوال الدين والدنيا.
وإن خرج عمّا نعهده نحن الآن من أحوال البشر، فليس بخارج عن عادات سلفت لشركائه في البشريّة وأمثالهم في الإنسانية. وما جرت به عادة في بعض الأزمان لم يمتنع وجوده في غيرها، وكان حكم مستقبلها كحكم ماضيها على البيان. ولو لم تجر عادةٌ بذلك جملةً لكانت الأدلّة على أن الله تعالى قادرٌ على فعل ذلك تُبطل توهّم المخالفين للحقّ فساد القول به وتكذّبهم في دعواهم. وقد أطبق العلماء من أهل الملل وغيرهم أنّ آدم أبا البشر عليه السلام عمّر نحو الألف، لم يتغيّر له خلقٌ، ولا انتقل من طفوليّة إلى شبيبة، ولا عنها إلى هرم، ولا عن قوّة إلى عجز، ولا عن علم إلى جهل، وأنّه لم يزل على صورة واحدة إلى أن قبضه الله عز وجل إليه.
هذا مع الأعجوبة في حدوثه من غير نكاح، واختراعه من التراب من غير بدوٍ،وانتقاله من طينٍ لازب إلى طبيعة الإنسانية، ولا واسطة في صنعته على اتّفاق مَن ذكرناه من أهل الكتب حسب ما بيّناه.
والقرآن في ذلك ناطق ببقاء نوح نبيّ الله عليه السلام في قومه تسعمائة سنة وخمسين سنة للإنذار لهم خاصّة، وقبل ذلك ما كان له من العمر الطويل إلى أن بُعث نبيّاً من غير ضعفٍ كان به ولا هرم، ولا عجزٍ ولا جهلٍ، مع امتداد بقائه، وتطاول عمره في الدنيا، وسلامة حواسّه. وأنّ الشيب أيضاً لم يحدث في البشر قبل حدوثه في إبراهيم الخليل عليه السلام بإجماع مَن سمّيناه من أهل العلم من المسلمين خاصّة كما ذكرناه. وهذا ما لا يدفعه إلاّ الملحدة من المنجّمين، وشركاؤهم في الزندقة من الدهريّين، فأمّا أهل الملل كلّها فعلى اتّفاق منهم على ما وصفناه{1}.