مذاهب أهل السنة
إن الخلاف والشقاق ظهر في الأمة الإسلامية بعد وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكانت فكرة الإمامة بذرة الخلاف الأولى في واقع المسلمين، ومزق الأمة فرقاً أو فرقتين: فرقة تشايع الخلفاء، وفرقة تشايع (علياً) وأهل البيت (عليهم السلام) الى اليوم الحاضر. لقد اختلف أهل العامة (شيعة الخلفاء) إلى مذاهب كثيرة في الفروع والأصول، كمذهب سفيان بن عيينة بمكة، ومذهب مالك بن أنس بالمدينة، ومذهب أبي حنيفة وسفيان الثوري بالكوفة، ومذهب الأوزاعي بالشام، ومذهب الشافعي بالعراق، والليث بن سعد بمصر، ومذهب إسحاق بن راهويه بنيسابور، ومذهب أحمد بن حنبل وأبي ثور ببغداد... وغيرها. إلا أن اكثر تلك المذاهب انقرضت بين الناس، وظلت آراء أصحابها مدونة في بطون الكتب عند أهل السنة، وبقيت من تلك المذاهب الأربعة المعروفة فقط، أما كيف نشأت هذه المذاهب وانتشرت دون غيرها، فيمكن الرجوع إلى المصادر المختصة وهي عديدة وتطرقت لها بالتفصيل.. وهم بحسب ظهورهم بالترتيب كالاتي:
1- المذهب الحنفي: ينسب هذا المذهب لأبي حنيفة النعمان بن ثابت (٨٠ هـ - ١٥٠ هـ) وهو من التابعين، تأسس المذهب في العراق، وينتشر حاليا في دول إسلامية مختلفة منها شمال مصر ووسط أسيا وتركيا والعراق وأفغانستان وباكستان وشمال الهند وسوريا.
2- المذهب المالكي: ينسب هذا المذهب لـ مالك بن أنس (٩٣ هـ - ١٧٩ هـ)، تأسس المذهب في الحجاز (المدينة المنورة) في أوائل القرن الثاني الهجري وتطورت معالمة على يد تلاميذه من بعده، انتشر في بغداد بسبب دعم السلطة العباسية له، وقد ظهر في البصرة بعد خمسة قرون من تاريخ انتشاره في الحجاز، حالياً يتواجد في الحجاز وبلاد المغرب العربي ودول الخليج والسودان ووسط وغرب أفريقيا.
3- المذهب الشافعي: ينسب هذا المذهب لـ محمد بن إدريس الشافعي (١٥٠ هـ - ٢٠٤ هـ)، تأسس المذهب في العراق، وينتشر حاليا بشكل كبير في بلاد الشام وفي فلسطين حيث مسقط رأس الشافعي في غزة خاصة، وفي مصر وإندونيسيا وماليزيا وشرق أفريقيا وجنوب الهند وبقاع مختلفة من البلاد الإسلامية.
4- المذهب الحنبلي: ينسب هذا المذهب لـ أحمد بن محمد بن حنبل (١٦٤ هـ - ٢٤١ هـ)، تأسس المذهب في العراق، اهتم ابن حنبل بجمع السنة وحفظها حتى صار من كبار المحدثين في عصره، ولذلك يعده البعض (مثل الطبري) محدثاً فقط لا فقيها، ينتشر مذهبه حاليا في نجد والخليج ومصر وبلاد الشام.
هذه المذاهب هي التي عليها أهل العامة في كافة الأمصار منذ أن حصر التقليد فيها إلى عصرنا الحاضر، وهؤلاء العلماء الأربعة الذي يجمع على إمامتهم جميع أهل السنة بكافة توجهاتهم، وهم متفقون على كل الأصول الفقهية واختلفوا في بعض الفروع، والمسائل الفرعية التي اختلفوا فيها هي التي كوَنت نشأة المذاهب الفقهية الأربعة.. ومن المسائل المتفق عليها بين كافة المذاهب وفرق أهل العامة (الأطروحة المهدوية)، مما دفعنا للتطرق لهم جميعا كأصحاب فكرة ونظرية وأطروحة واحدة في العقيدة المهدوية{1}.
{1}رؤى مهدوية شذرات فكرية في القضية المهدوية، مجتبی السادة، ص184