montazar.net
montazar.net
montazar.net
montazar.net
montazar.net

معرفة الله تعالی
إن الانسان بفطرته يبحث عن صانعه وخالقه، يريد أن يعرف من هو الذي أوجده بعد أن لم يكن، وأعطاه هذه الجوارح والأعضاء والقوى {وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة} ، وأنعم عليه بما لا يعد ولا يحصى {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} ويريد أن يعرف هذا المنعم الحقيقي، ليقوم بوظيفته العقلية، وهي شكر المنعم الحقيقي. ومن ناحية أخرى يدرك الانسان أن الله تعالى - الذي هو خالق الحس والمحسوس، والوهم والموهوم، والعقل والمعقول، السبوح القدوس عن جميع النقائص والقبائح، الذي لا يتناهى جماله وكماله - أعظم وأعلى وأجل من أن يكون طرفا لخطاب مخلوق مملوء بالجهل والخطأ والهوى، فيجيبه مباشرة على أسئلته، ويوجهه إلى ما يجب ويحرم عليه في أيام حياته. فلا بد من وجود واسطة بين الله تعالى وبين خلقه، له صورة الانسان وصفاته ليتعامل مع الناس، وله عقل منزه عن الخطأ، ونفس مقدسة عن الهوى، وسيرة ربانية، ليكون - على وفق قانون تناسب الفاعل والقابل - أهلا لتنوره بنور الوحي، ولتلقي الهداية والمعرفة من الله تعالى، فيفتح أبوابها للبشر، وينقذ الانسان من تفريطه في تعطيل العقل عن معرفة الله، ومن إفراطه في تشبيه الحق بالخلق، ويهديه إلى الدين القيم والصراط المستقيم (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذ لكم وصيكم به لعلكم تتقون){1}. والله تعالى لم يترك معرفته للعباد كي يقولوا فيها بآرائهم، وإنما بعث الأنبياء والرسل ليبينوا ذلك لأممهم، لأن الهدف من خلق الجن والإنس أن يعبدوا الله. ولا تصح عبادة لله إلا بمعرفة الله. فالمنحرفين من أهل الكتاب يعبدون الله، ولكنهم انحرفوا عن المعرفة الحقة. فأصبحت العبادة هباء ضائع في خلاء. {2}
التقرب إلى الله
بالنظر الإجمالي إلى الايات الكريمة في القران الكريم، نرى حتى عند الجاهلين بحقائق التوحيد أن هذه المعرفة ثابتة عندهم، وهي أنهم لا بد أن يتقربوا إلى اللَّه أو إلى الهتهم بحسب إعتقادهم. وحتى أنهم كانوا يصرحون أحياناً بأنهم يعبدون الالهة ليقربوهم إلى اللَّه زلفى "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى". فكانوا يعرفون أن الغاية المنشودة للإنسان كما هو مركوز في فطرته هي أن يتقرب إلى اللَّه زلفى، لكنهم لم يكونوا يعرفون الطريق الموصل إلى هذا القرب، فكانوا يزعمون أن في عبادة الأوثان وسيلة للحصول على هذا القرب المنشود. طبعاً، بحسب اعتقادنا أن هذه المعرفة كانت ثابتة لديهم من قبل الأنبياء، وإلا فالإنسان البسيط لا يعرف هذه المعارف العالية من قبل نفسه. خصوصاً بالنظر إلى أن أول إنسان نعرفه وهو أبونا ادم كان نبياً من الأنبياء. وبالطبع، فإنه كان قد عرّف أبناءه بالحجر الأساس للدين والسعادة وهو توحيد اللَّه سبحانه وتعالى، فالوثنية والشرك جاءا بعد التوحيد. على خلاف ما يزعمه بعض علماء الإجتماع. وكيف كان فالفطرة الإنسانية تهدف إلى القرب من اللَّه تبارك وتعالى. وبذلك يحقق جميع اماله ومناه.
الإنسان طالب الكمال بالفطرة
لابأس بالإشارة هنا إلى دليل عقلي بسيط لهذا الأمر. وهو أننا نطلب بفطرتنا أموراً كالعلم والمعرفة، والقدرة والاستطاعة، والجمال واللذة. هذا ما نطلبه بفطرتنا. فالإنسان طالب للالتذاذ.. طالب للعلم والمعرفة.. وطالب للقدرة. طبعاً، ما يحصل لنا من خلال الأسباب العادية هو أمور قليلة جداً "وما أوتيتم من العلم إلا قليلا". وكذلك القدرة المادية والقدرة الاجتماعية كلها أمور محدودة. والإنسان بفطرته لا يقتنع بهذه الأمور المحدودة المتناهية. فهو كلما حصل على مرتبة من العلم يطلب مرتبة أعلى، وكلما حصل على قدرة يطلب قدرة فوق تلك القدرة{3}.
حقيقة القرب من الله
التقرب الی اللّه‏ ، لیس من قبیل القرب المکانی أو القرب الزمانی ، فإنّ اللّه‏ تعالی یحیط بالمکان والزمان ، ولا یحویه مکان ولا زمان حتی یمکن ان یتقرب الانسان منه علی فاصل مکانی أو زمانی خاص ، وانّما المقصود بالقرب مقولة اُخری من ( القرب ) وهی ( القرب المعنوی). فإنّ فی القرب المکانی أو الزمانی ـ دائما ـ تقارنا بین النقطتین المتقاربتین وقرب الانسان من اللّه‏ وبعده عنه تعالی من هذا القبیل ، فإن اللّه‏ قریب من عباده من دون شک ، ولکن العبد قد یکون بعیدا عن اللّه‏ ؛ یقول تعالی : « ... وهو معکم این ما کنتم ... » ویقول تعالی : « ... ونحن أقرب الیه من حبل الورید » ویقول تعالی : « ... واعلموا ان اللّه‏ یحول بین المرء وقلبه ، وانه الیه تحشرون ». ومع ذلک فقد یکون الانسان بعیدا عن اللّه‏ .وفیما یأتی اذکر بعض الامثلة علی هذا الاختلاف فی القرب والبعد بین اللّه‏ تعالی وعباده . قد یکون القرب بمعنی العلم والمعرفة والاحاطة ؛ والبعد بمعنی الجهالة ... واللّه‏ تعالی قریب من عباده ، عالم بهم ، مطلع علی سرائرهم ، محیط بهم ، والعبد بعید عن اللّه‏ غیر عارف به وقد یکون القرب بمعنی الذکر ؛ والبعد بمعنی الغفلة أو النسیان ؛ واللّه‏ تعالی ذاکرٌ لعباده ، بینما عباده ینسونه ولا یذکرونه وقد یکون القرب بمعنی الحب والرأفة والشفقة ، فنجد اللّه‏ تعالی قریبا یحبّهم ویرأف بهم ،ویشفق علیهم ، بینما عباده یعرضون عنه وینأون ویصدّون عن ذکره ، واللّه‏ تعالی قریب من عباده لا یحجبه عنهم شیء : « ... ونحن أقرب الیه من حبل الورید » بینما تحجبنا نحن السیئات والذنوب عن اللّه‏ ، وتبعدنا عنه تبارک وتعالی، اذن القرب والبعد من اللّه‏ تعالی من مقولة اُخری غیر القرب والبعد ( الزمکانی ) فی مساحة الزمان والمکان{4}.
القرب إلى الله بالقلب
هذا القرب يحصل للقلب لا للبدن، فالبدن إنما يقترب من جسم اخر. فليس بين البدن وبين الموجود المجرد نسبة قريبة أو بعيدة. فالذي يحصل لنا من القرب والبعد، إنما هو لقلوبنا. القلب يقترب إلى اللَّه أو يبتعد عنه. ما الدليل على ذلك؟ "هب لي كمال الانقطاع إليك... وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك". القلب ينظر إلى اللَّه. "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور" فالقلب له بصر. إذا كان مضيئاً ينظر إلى اللَّه. "وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور". الحجاب إنما يكون بين القلب وبين اللَّه، وأبصار القلوب هي التي ترفع تلك الحجب وتخرق تلك الحجب. فالقرب إذاً قرب إدراكي. القلب إما يدرك كونه قريباً من اللَّه، ولا فصل بينه وبين اللَّه أولا يرى. فإذا كنا بحيث لا نفهم ارتباطنا وتعلقنا باللَّه تبارك وتعالى. فإننا مجوبون "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون " فإذا كان القلب محجوباً عن ربه في هذا العالم، فسوف يكون محجوباً في العالم الاخر. {5}
{1} منهاج الصالحين، آیت الله الخويي ص56.

{2} معالم الفتن، سعید أیوب، ج2ص403.

{3} أصول المعارف الإنسانية،جمعية المعارف الإسلامية الثقافية ص109-110.

{4} مقالة : الکمال الانسانی و التقرب الی الله تعالی فی القرآن الکریم، محمد مهدی الآصفی،مجلة الفکر الاسلامي، 1374هـ - رقم 11، ص 112.
{5} أصول المعارف الإنسانية ص113.
معرفة الله تعالی


العضوية للحصول علی البرید الالکتروني
الاسم:
البرید الالکتروني:
montazar.net

التصویت
ما ترید أن یتم البحث عنه أکثر فی الموقع؟
معارف المهدويةالغرب و المهدوية
وظیفتنا فی عصر الغیبۀالفن و الثقافۀ المهدوية
montazar.net

المواقع التابعة